الخميس، 24 يونيو 2010

الزواج الثانى للأقباط والدولة المدنية

هل تتحدى الكنيسة الدولة ؟
قضية شائكة أثارها رفض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لتطبيق حكم المحكمة الإدارية العليا بأحقية مواطن قبطى بالزواج الثانى وإلزام الكنيسة إتمام هذا الزواج .
رأى البعض فى هذا الرفض تحدى واضح من الكنيسة لسلطة الدولة ، وأثار هذا التحدى حفيظة العلمانيين والمنادين بالدولة المدنية ، فلا شئ يعلو على صوت القانون .

بالطبع هناك الكثيرون ممن يحلمون بإقامة دولة مدنية علمانية لا تكون للمؤسسات الدينية أى سلطة أو تدخل فى صناعة القرار بها ، وعلى المستوي الشخصى فأنا واحداً من أشد المؤمنين والحالمين بهذه الدولة .
ولكن هل خطوات تحقيق هذا الحلم تكون بصدور مثل هذا الحكم ومطالبة الكنيسة الالتزام به ؟
هل الطريق إلى العلمانية يكون بتدخل القضاء فى التعاليم والنصوص الدينية ومحاولة تغيرها بقوة القانون ؟
أن الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا يمثل اشتباكاً صريحاً لمفهوم الدولة المدنية والعلمانية ، فماذا تتوقع من رجل دين مهمته الاساسية هى الحفاظ على نصوص وتعاليم دينه ثم تخيره بين المحافظة على هذه التعاليم وبين نسفها والإلتزام بأوامر القانون .
وللتقريب فلتتخيل معى على سبيل المثال أن هناك شيخ مسجد فى دوله ما يصدر بها قانون يلزمه بتزويج أحد المسلمين بزوجة خامسة خلافا للشرع ، بالطبع لن يصدر مثل هذا القانون فى أى دولة متقدمة تعلم تماماً المعنى الحقيقى للمواطنة وإحترام الحريات الدينية الخاصة لمواطنيها ، وهذا هو المفهوم الصحيح للعلمانية .

فالعلمانية هى عدم تدخل الدين فى السياسة ، وأيضاً عدم تدخل السياسة فى الدين ، فرجال السياسة أدرى بدروبها ورجال الدين أدرى بشئون دينهم وتأويل نصوصه .
فلنفصل إذاً بين ما هو سياسى وبين ما هو مقدس ، إذا أرادت الدولة حل مشاكل بعض الاشخاص الشخصية المتعلقة بالزواج ، فليكن ذلك بالسماح بالزواج المدنى مثلاً الذى توثقه الدوله بعيداً عن المؤسسات الدينية .
من أراد التمسك بتعاليم معتقداته الدينية وما تفرضه عليه من فروض وواجبات كان له ذلك ، ومن أراد تلبية رغباته الشخصية حسبما يتيح القانون وبدون التقيد بحاجز دينى كان له ذلك أيضاً ، ولكن أن تفرض الدولة قانونها على النصوص الدينية فهذا أمر غير مقبول .

وعل جانب أخر فقد رأيت البعض ممن أبدوا تعاطفهم مع حالات الأقباط الذين يسعون للسماح لهم بالزواج الثانى ، وكان الحل من وجة نظرهم هو مطالبة الكنيسة بتقديم تسهيلات وتنازلات لمراعاة ظروف هؤلاء ، هذا بالطبع شعور نبيل من جانبهم ولكن الأمر يتشابه بأن يشكو أحد المسلمين مثلاً من كثرة فروض الصلاة مما يؤدى لتعطله عن أعماله وإرهاقه وأستيقاظه فجراً يومياً لأداء الصلاة ، فيتعاطف معه أحدهم ويطالب مشيخة الأزهر بتخفيض عدد الصلوات من خمس إلى ثلاثة أو تغيير مواعيدها .

أن الأديان أتت بتشريعات ووصايا وفروض تنظم علاقة الانسان بربه وعلاقته بالأخرين ، من أراد الالتزام بهذه الوصايا والفروض فجزائه عند الله ، ومن أراد عدم الالتزام بها والإكتفاء بالقوانين المدنية فليكن له ذلك ، وجزائه عند الله أيضاً وليس فى أيدينا نحن .
فعلى سبيل المثال وفى حالتنا هذه من أراد من الأقباط التمثل بقانون الكنيسة الارثوذكسية بعدم الزواج الثانى فهو حراً فى ذلك ، ومن أراد عدم التمثل بهذا فهو أيضاً حراً فى ذلك ، فليغير طائفته أو ملته أو حتى ديانته كلها إن شاء ، وليتزوج بعيداً عن الكنيسة .
ومثال أخر للمسلم المقيم بدولة غربية تبيح مثلاً تناول الخمور ، إذا أراد إتباع تعاليم دينه وأمتنع عن تناولها فهذا أمر بينه وبين ربه يجازيه عليه ، وإن لم يشأ فليخضع لقوانين البلد الموجود بها ، ولكن أن يصدر قانون بهذا البلد يجبر المفتى بها بإباحة الخمر فهذا أمر غريب .

فى رأيى أن الحل لهذه القضية الشائكة وغيرها من القضايا يتمثل فى نظام مدنى علمانى يحترم مواطنيه وأديانهم ومعتقداتهم المختلفة ، يكون المواطن فيه مصرى الهوية فقط فى أوراقه الرسمية ، ويترك له إيمانه كعلاقة خاصة بينه وبين خالقه ، لا تتدخل الدولة فى هذه العلاقة ، ولا تدرجها فى أوراق الهوية ، فلا يكون المواطن مضطراً للجوء للدولة لإثبات ديانته أو تغيرها أو إتمام المراسم الدينية .



السبت، 20 فبراير 2010

رسالة إلى قاتلى


أخى ... أربعون يوماً مضت منذ أن مددت يداك لقتلى ولطختهما بدمائى


أخى ... كم حزنت لفراق أهلى وأحبائى ، وكم تألمت لدموع أمى وحزنها لفقدها فلذة كبدها ، لكن ما يعزيني هو وجودى فى ذلك المكان المفرح الذى أعد للذين ظلموا فى الأرض وأريقت دمائهم لأجل إيمانهم .


من مكانى هذا أصلى لك وأدعو الله أن يغفر لك ويسامحك على قتلك إياي ، فأنا أعلم تماماً إنك ضحية مثلى


نعم أنت ضحية ...


ضحية تعاليم متشددة ومتطرفة حملتها رياح الصحراء لعقول أبناء بلدى


تعاليم نشأت وتربيت عليها أنت والكثيرون فى السنوات الأخيرة ، لقنت لك فى المدرسة وفى البيت وفى وسائل الأعلام


تعاليم تدعوك لتكفيرى ولكراهيتى ولإزدرائى ، تدعوك لعدم مصادقتى أو مصافحتى أو حتى تهنئتى فى أعيادى

تعاليم تعلن لك كفرى وإباحة دمى ، فالكافر دمه وماله حلالاً مستباحاً ، فكان بديل تهنئتى يوم عيدى هو رصاصات الغدر والكراهية



أخى ... أنا لا ألومك ، فكما قلت لك أنت ضحية مثلى


ولكنى ألوم مجتمع سمح لهذه الأفكار والتعاليم بأن تنخر فى روابط العلاقة بين أفراده


ألوم مجتمع يسألنى فيه أفراده عن أسمى وديانتى حتى يحددوا طريقة تعاملهم معى


ألوم مجتمع يردد فيه أطفاله فى المدارس ( دول مسيحيين وحشيين حيروحوا النار المفروض ما نلعبش معاهم )


ألوم مجتمع يحجر على حقى فى الصلاة والتعبد ، مجتمع يهب وينتفض كلما سمع عن كنيسة تبنى أو أقباط يصلون فى منازلهم ، ولا يتحرك له ساكن مع كل ما يصل لأذنيه من فساد وظلم وإنتهاكات


ألوم مجتمع زادت فيه الفجوة بينى وبين أشقائى فى الوطن ، مجتمع دفعنى عبر موجات متتالية من التمييز ضدى للإنكماش والبحث عن مجتمع بديل داخل كنيستى أو بين زملائى الأقباط فقط بحثاً عن الإنتماء بدلاً من الإزدراء



أخى ... أنا ألوم نظاماً تواطئ مع التعاليم السلفية والوهابية ومع مروجيها

ألوم نظاماً كرس لإزدرائى وإزدراء ديانتى لسنوات طويلة عبر إعلامه وقنواته الفضائية ، فبات من العادى أن أسمع إهانة دينى بأذنى من إذاعات وتليفزيون بلدى


ألوم نظاماً تباكى كثيراً عبر إعلامه على دماء مواطنة مصرية كانت ضحية للتمييز الدينى خارج مصر ، وفى المقابل يسفه من دمائى ودماء أخوتى داخل مصر ، ويحاول إلتماس الأعذار لك وتصوير جريمتك على أنها جريمة شرف

ألوم نظاماً تهاون كثيراً مع قتله الأقباط من قبل ، فكانت أحكام البراءة بديلاً للعقاب الرادع ، حتى باتت هناك قناعة لديك ولدى أمثالك أنه لا ثمن لدماء الأقباط



أخى ... لم تكن أنت من وجه السلاح إلى صدرى بقدر ما كنت أنت نفسك سلاحاً فى يد أخرين باركوا وحرضوا لهذه الجريمة بأفعالهم وأقوالهم


من أمام كرسى العدل الألهى أرجو أن يتم محاكمة ومحاسبة هؤلاء قبل محاكمتك

فأنت لم تكن أكثر من أداة فى أيديهم .




( فى ذكري الأربعين لشهداء نجع حمادى )