الأحد، 27 ديسمبر 2009

إشكالية ظهور العذراء



أعلم مسبقا حساسية التكلم فى موضوع ظهور السيدة العذراء مريم فوق قباب كنيستها بالوراق لأنه يمس عقائد وقناعات فكرية لملايين البشر سواء مؤيدين أو منكرين لهذا التجلى .
ولكن ما أريد مناقشته هو بعض الأراء المتعلقة بالموضوع ومنها تبنى الكثيرون ( ومعظمهم من النخبة المثقفة ) لمبدأ عدم إمكانية حدوث مثل هذه الظاهرة الخارقة ، وإتهام المؤمنين بها بالجهل والتصديق بالخرافات والدجل ، لأنها ببساطة تتنافى مع أبسط قواعد التفكير العقلانى والمنطقى .

وأود أن أتوجه بسؤالى لهؤلاء ..
هل عقلكم الذى يترفع عن قبول مثل هذه الظاهرة الغير عقلانية يصدق ويستسيغ بسهولة أن رجلا قد شق البحر بعصاه ، أو أن أحدا كان يبرأ الأعمى ويقيم الموتى بكلمة ، أو أن أخر عرج للسماء من عدة قرون .
إن كنتم تؤمنون بأن هذه المعجزات قد حدثت بالفعل وجميعها ظواهر لا يقبلها العقل المجرد ، فلماذا إذا لا يستسيغ عقلكم الآن مثل هذه المعجزة ؟

انه الإيمان ذلك العامل المشترك بين جميع من يؤمنون بوجود إله يدير هذا الكون ، ووجود حياة أخرى روحية فوق الحياة المادية التى نعيشها ، وهو ما يدفعنا لتصديق هذه المعجزات ، ويدفع الكثيرون الآن للتصديق بظهور العذراء
حتى وإن نادي البعض أن عصر المعجزات قد انتهى فإن هذا لا ينفى فكرة إمكانية حدوث مثل هذه المعجزة من جذورها ، كما أن هناك فريقا آخر يؤمن بأن السماء ما زالت تتعامل مع البشر وتعزيهم ( يعنى صاحب الدكانة ما قفلهاش و روّح )
حقيقة أرى ثمة إذواجية فى تفكير البعض حين يرفض عقليا ظهور العذراء فى حين يؤمن تماما بأن معجزات مثل هذه وأكثر قد حدثت بالفعل فى عصور سابقة .

حسنا فعل الملحدون فقد فلتوا من هذه الإزدواجية وأعلنوها صريحة انهم يرفضون الإيمان بجميع الظواهر الميتافيزيقية ، فلا هم يؤمنون بأن العذراء تظهر الآن ، ولا أن هناك أنبياء حدثت على أيديهم معجزات وخوارق فى عصور سابقة ، فهم يؤمنون بالعلم وآلياته فقط .
وأول قواعد البحث العلمى لتفسير ظاهرة ما هو جمع الدلائل والقرائن المرتبطة بهذه الظاهرة ، والإستماع لشهود العيان على إختلاف توجهاتهم ، ثم وضع جميع الأسباب المحتملة لهذه الظاهرة مع محاولة تفنيد كل سبب على حده للوصول للسبب الحقيقى .
فهل أتبع من يؤمنون بالعلم فقط هذه الخطوات قبل أن يدلوا بالتفسيرات المختلفة لظاهرة ظهور العذراء بالوراق
فهل مثلا كونوا لجان بحث علمية لجمع القرائن المختلفة وإستقصاء أقوال آلاف شهود العيان مسلمين وأقباط الذين شاهدوا هذه الظاهرة ، ثم أعطونا وأعطوا أنفسهم إجابات منطقية ومقبولة لجميع الأسئلة المطروحة

- فهل هى مثلا هلاوس جماعية تحدث تحت تأثير الإيحاء النفسى ، وهل يمكن لهذه الهلاوس أن ترصدها كاميرات الفيديو ؟
- وهل هى مجرد خدعة بصرية ، وأى نوع من الأجهزة التكنولوجية يتطلبه عمل مثل هذه الخدع بالكيفية التى رأيناها جميعا فى لقطات الفيديو ، وهل تتوفر هذه المعدات بمصر ، وهل لم تلحظها الجماهير أو قوات الأمن المحيطة بالحدث ؟
- وما هى التكنولوجيا المستخدمة فى ظهور العذراء بكنيسة الزيتون عام 1968 وشهده الآلاف أيضا ؟
- وما هى التكنولوجيا المستخدمة فى ظهور مماثل للعذراء حدث بمدينة لورد بجنوب فرنسا عام 1858 ، وأخر بمدينة فاتيما بالبرتغال عام 1917 وهو حدث مثبت تاريخيا وعدد شهود العيان له عشرات الآلاف ؟
- أم هى مجرد ظاهرة طبيعية يحدث فيها تفريغ كهربى لحظى للأماكن المرتفعة ذات الأسطح المدببة ، وهل ينطبق هذا التفسير مع ظهور الوراق الذى أستمر لساعات لطيف نورانى يتشكل ويتحرك فى أماكن مختلفة ولعدة أيام فوق قبة كنيسة منخفضة الإرتفاع مقارنة بالأبراج والصوارى المنتشرة بالقاهرة ؟

لم يعطنا أحدا إجابات شافية ومريحة للتساؤلات السابقة وغيرها ، ولكن عجبا نجد الكثيرون يملون قناعتهم وآرائهم الشخصية حول الموضوع وكأنها هى الحقيقة المطلقة دون وجود أساس علمى يقين لهذا الرأى .
ليس العيب أن يتم الإعتراف بعد الدراسة العلمية المستفيضة بأننا أمام ظاهرة لا نجد لها تفسير علمى فى الوقت الحالى .
ولكن العيب هو أن نضع أبسط أدوات التحليل العلمى والمنطقى تحت أقدامنا لنصل لتفسيرات تمليها علينا أهوائنا مسبقا ، ثم نعلن اننا نفعل ذلك دفاعا عن العلم والعقل .

وكأن بعض المثقفون والعالمنيون والملحدون وهم فى طريقهم لإثبات ارائهم فاقوا الأصوليين الدينيين أنفسهم فى التشبث بالرأى دون تمحيص ... ويا للمفارقة !!
وكأنه قد كتب علينا جميعا على إختلاف توجهاتنا أن نظل أسرى مورثاتنا العقائدية والفكرية نتركها تحدد لنا ردود أفعالنا ، حتى وإن كان على حساب ما ننادى به من مبادئ .
* * نشر لى هذا المقال على موقع الأقباط متحدون

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

حارة النصارى


عزيزى المسلم إذا كانوا قد قالوا لك إن "المسيحيين ريحتهم وحشة" حتى أقنعوك، وإذا كان أحدهم قد أخبرك بيقين أن الأديرة تعج بالأسود والنمور لتأديب المرتدين عن المسيحية وصدقت أنت ذلك، وإذا كانوا قد رددوا كثيراً على مسمعك أن الكنائس لم تعد كنائس بل صارت مخازن أسلحة وذخيرة حتى صرت تنزعج من وجود الكنائس، إذا كنت صدقت أن "الأقباط خونة"، أو أن رجال الدين المسيحى يلبسون ملابس الحداد حزناً على وجودك أنت شخصياً....فانت تحتاج لقراءة هذه الكتاب
يصدر هذا الكتاب قريبا عن دار ( دون )
الكاتب هو المدون و الناشط شمعى أسعد و هو صاحب مدونة قصاقيص ورق و محرر صفحة المدونات بجريدة الجيل كما سبق و نشرت له تدوينات فى سلسلة مدونات مصرية للجيب و له عدة مقالات منشورة فى مواقع الكترونية مثل اليوم السابع و موقع الاقباط المتحدون
للمتابعه انضم لجروب الكتاب على الفيس بوك

الجمعة، 23 أكتوبر 2009

السينما بين الإبداع والنظافة



مر المجتمع المصرى بكثير من التغيرات والتحولات فى العقود الأخيرة .
وبما أن السينما هى مرآة المجتمع فقد شهدت هى الأخرى بعض التغيرات ، فقد ظهر فى السنوات الأخيرة مصطلح السينما النظيفة الذى إبتدعه بعض الفنانين والفنانات الشباب ، يدعو أصحاب السينما النظيفة من أمثال هنيدى وحنان ترك والسبكى لتقديم أفلام خالية من الأحضان والقبلات وخلافه تمشيا مع ما وصل اليه المجتمع من تدين ظاهر وملموس فى العقود الأخيرة ، ولجذب جميع أفراد الأسرة للعودة لقاعة السينما .

إلى هنا والكلام جميل فالمجتمعات المحافظة قد لا تتحمل سقف الحرية المسموح به فى بعض المجتمعات الأخرى .
ولكن المتابع لهذه الموجة يلاحظ أن السمة السائدة لأفلامها هو تميزها بإنخفاض مستواها الفنى والإبداعى وضحالتها الفكرية ، فهى أفلام لها صورة سينمائية باهتة مع سيناريو مفكك وحوار ركيك وفكرة هشة .
أفلام يرفع أصحابها شعار لا للقبلات وأيضا لا لتشغيل العقل وإحترام عقلية المشاهد
أفلام يكفى فيها مشهد إحراق علم دولة أخرى أو السير فى مظاهرة ليتحول الفيلم من فيلم هايف إلى فيلم هادف
أفلام يحمل أصحابها لواء الأخلاق ، ويا للعجب تمتلئ بالإيحاءات والإيماءات الجنسية الصريحة التى يفهمها الجمهور جيدا مع الحفاظ على عدم ظهور القبلة أو المايوه .

السينما هى إنعكاس لحال المجتمع و رقيه وتقدمه ، فالمتابع لأفلامنا الأبيض والأسود القديمة لا يرى فرق كبير بينها وبين الأفلام العالمية المنتجة فى نفس الفترة من ناحية القيمة الفنية ، لأن المجتمع وقتها كان أكثر ليبرالية وأكثر تفتحا وأكثر تذوقا للفنون ، فلم يكن مشهد قبلة لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة مثلا يقلل من مكانتها وقيمتها الفنية لدى جمهورها ، ولم يكن مشهد كهذا يقلل من قيمة الفيلم الذى يتعامل معه المشاهد كأنه عمل فنى وليس وسيلة شيطانية لإثارة الغرائز .


وفى فترة ما بعد الثورة ومع نكسة يونيو ظهرت أفلام تحمل نكسة أخلاقية ومساحة كبيرة من التعرى لم تكن معهودة من قبل مع إنخفاض مستواها الفنى ، وربما كان هذا هروب أو تخدير للمجتمع من الأثار السلبية للهزيمة .


وفى بداية الثمانينات ومع نزوح العديد من المصريين لدول النفط الوهابية وعودتهم محملين بالأفكار السلفية ، تخلت السينما عن جرأتها وتحشمت فناناتها ولكن صاحب ذلك تدهور أكثر وأكثر فى المستوى الفنى ، وذلك بظهور موجة أفلام المقاولات ، وهى فى رأيى أسوء مرحلة فنية مرت بها السينما المصرية .

رواد السينما النظيفة الآن هم الأبناء الشرعيون لهذه المرحلة .
وكما أن أفلامهم النظيفة لا تخلو من الإيحاءات والمضمون الجنسى المتستر ، كذلك المجتمع الآن يبدو ظاهريا فى قمة الورع والتمسك بالفضيلة ، ومع ذلك تفاجئ بأن القاهرة على قائمة أكثر المدن بحثا عن كلمة (sex) فى محرك البحث جوجل على مستوى العالم .


فرق شاسع بين التدين الصحى الذى ينجب أفراد أسوياء نفسيا ، وبين تقييد الحريات وقتل الإبداع بأسم الأديان الذى نمارسه ونتج عنه جيل من الشباب يعانى من الكبت حتى تفشت بينه ظاهرة التحرش الجنسى بصورة لا تنجو منها أى فتاة أو سيدة فى الشارع أيا كان عمرها أو ملبسها ، فكلما زاد الإنغلاق فى المجتمع زاد معه الكبت والسلوك الجنسى الغير سوى ، ولنا فى بعض المجتمعات الخليجية المجاورة المثال الحى لذلك .

فرق شاسع بين أسرة فى مجتمعنا قديما تشاهد فيلم به قبلة بين البطل والبطلة وتخرج بعد الفيلم لا تكفر أبطاله وإنما تتحدث عن جودة الفيلم الفنية فى وسط مجتمع راقى ، وبين أسرة حاليا تشاهد فيلم نظيف من كل شئ حتى من أدنى درجات الإبداع ، وتخرج من قاعة السينما لتتعرض للتحرش والبذاءات فى الشارع على يد جمهور السينما النظيفة .

إن كلامى هنا ليس دعوة للإباحية فى الأفلام كما قد يروج بعض هواة الصيد فى الماء العكر ، وإنما هى دعوة للرقى والإرتفاع بالمستوى الفكرى والفنى والثقافى للأفلام ، ودعوة لرفع التذوق والإحساس بالجمال للمواطن العادى .
فما زلت أحلم بمجتمع يستمتع ويقدر الجمال فى لوحة فنية أو تمثال ، وليس مجتمع يعانى من الكبت حتى أن رؤية مانيكان عارى فى فاترينة تثيره جنسيا !


نشر لى هذا المقال على موقع الحوار المتمدن

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

إرفعوا الغشاء


كثيرة هى المخاوف والأقاويل التى أثيرت بعد إعلان نبأ إختراع الصين لغشاء بكارة صناعى يعيد للفتاة عذريتها بمنتهى السهولة ، وإعلان إدخال هذا المنتج للسوق المصرية .

خاف الكثيرون من تأثير هذا الاختراع على هدم أخلاقيات المجتمع ، وتخوف بعض الشباب من الإقدام على الزواج من فتاة لا يملك الدليل القاطع على بكوريتها وعذريتها .
وكأن مجرد وجود غشاء البكارة هو دليل كافى لبراءة الفتاة ، وكافى لأن يضع العريس ( فى بطنه بطيخة صيفى ) !!!

فى رأيى الشخصى الفتاة التى تمتنع عن ممارسة الرذيلة فقط لخوفها من الفضيحة تتساوى مع فتاة تمارس الرذيلة معتمدة على عملية ترقيع أو على غشاء سحرى ( made in china ) .
فقد إختزلنا مفهوم الشرف والأخلاق فى هذا الغشاء الرقيق ، الفتاة التى تفقده تصبح فتاة غير شريفة ، والفتاة التى تحافظ عليه تملك شهادة شرف مختومة ، حتى و إن كان محافظتها عليه هى فقط من باب خديعة المجتمع وإصطياد عريس ( مغفل ) ، وليس من باب طهارتها الداخلية وحسن أخلاقها .
فكم من حالات زنا وخيانة زوجية صدرت من رجال متزوجين ونساء متزوجات كن عذارى لحين زفافهن ( عذاري الجسد ولسن عذارى الاخلاق والقيم ) .

إلى كل الخائفين ...
وجود هذا الإختراع أو غيره لن يهدم قيم مجتمع ما لم تكن هذه القيم متأصلة ومغروسة فى وجدان وضمير أفراده .
المجتمع الذى يقوم عماد الشرف فيه على غشاء وبضع قطرات من الدماء ، ويتجاهل قيم كثيرة مثل الصدق فى التعاملات والأمانة فى العمل ونزاهة الكلمة وإحترام حرية الغير ، لن يكون خطر عليه مثل هذا الاختراع .
وكأن الشرف هو ضريبة خاصة بالانثى يعفى منها الرجال .
ولذلك تجد فى مصر أعلى معدلات الفساد والرشوة فى العالم ... أعلى معدلات التحرش الجنسى بالفتيات حتى أصبح الأمر ظاهرة جماعية ... خداع المواطنين لبعضهم البعض تحت مسمى الفهلوة ... تزوير إنتخابات ... تزويغ من الاعمال ... تعدى على حقوق وحريات الغير و................
وللأسف لا يجد الكثيرون فى مثل هذه الافعال مساس بالشرف .

مجتمع مثل هذا يحتاج لإختراع لإزالة ورفع الغشاء الذى على عينيه ليرى عوراته ، أكثر من إختراع غشاء بكارة مزيف لاكتمال منظومة الغش والخداع .
ولعل الصين تفعلها مرة أخرى وتهدى لنا مثل هذا الاختراع ، فالواضح تماما انها تدرس أفكارنا وعاداتنا وتقاليدنا جيدا قبل التفكير فى أى منتج موجه لمنطقتنا .

لقراءة الخبر وبعض ردود الافعال أضغط هنا

الجمعة، 21 أغسطس 2009

وطن على شماعة


كانت مصر دائما مطمعا للإحتلال الأجنبى عبر التاريخ بأشكاله المختلفة ، وكان السبب الرئيسى فى ذلك كما قالوا لنا كثيرا فى دروس التاريخ بالمدارس وفى وسائل الإعلام هو موقع مصر الجغرافى المتميز وخيراتها الطبيعية المتوفرة مما جعلها مطمعا من الكثيرين ، حتى كدنا نلعن هذا الموقع المتميز وهذه الخيرات الطبيعية التى وهبتها الطبيعة لنا ، لانها كانت السبب الرئيسى في ما إبتلانا من إحتلال وغزو وما خلفه ذلك من تخلف وقهر ما زلنا نعانى منه للآن .

لكن السؤال الذى يدور بذهنى هو ماذا لو لم نكن نملك هذه الميزات ، ما الذي سيكون عليه حالنا اليوم ، هل من المفترض أن نكون مثلا فى مصاف الدول الكبرى المتقدمة التى لم تعانى من ويلات الاحتلال .


سؤالى بصورة أخرى
ماذا لو لم نكن نملك موقعا فريدا يجعلنا فى مركز العالم ، ماذا لو لم نمتلك قناة السويس ، ولم يكن لدينا نهرا مثل نهر النيل يؤمن لنا إحتياجاتنا من المياه العذبة ، ولم تكن لدينا أرض خصبة صالحة للزراعة بطول الوادى ، ولم يكن لدينا الثروات الطبيعية مثل البترول والغاز الطبيعى والكثير من المعادن ، ولم نكن نملك مناخا مناسبا للزراعة والسياحة والعمل على مدار العام .
ماذا لو لم نكن نملك مثل هذه الثروة البشرية الكبيرة التى هى أساس أى ثورة صناعية كبرى .

لا أعتقد أن حالنا سيكون أفضل لو لم نكن نملك هذه الميزات التى حابانا الله بها .
الحقيقة أن وجود هذا الكم الهائل من الخيرات والميزات فى بلد ما هو أساس نهوض وتقدم هذا البلد ، فكم من البلدان تملك ميزات أقل كثيرا مما نملك وأجادت إستخدام هذه الميزات وتقدمت بسببها إلى مصاف الدول الكبرى ، ولم تكن أبدا هذه الميزات سببا فى تأخر بلد ما .

فبدلا أن تصبح مواردنا الطبيعية هى سبب تقدمنا ، يحاولون إقناعنا انها سبب تخلفنا .
بدلا من إستغلال ميزة توفر الأيدى العاملة ( هذه الأيادى الماهرة والعقول النابهة التى للأسف أضطر الكثير منها لمغادرة بلده ليساهم فى تقدم بلدان كثيرة حولنا أستفادت من خبراته ) ، نجدهم يحاولون دفن هذه الطاقات وإقناعنا أن هذه الثروة البشرية والتعداد السكانى الكبير هو سبب جوعنا وفقرنا ، وكأننا أكثر تعدادا من الصين أو اليابان أو الهند أو غيرهم من الدول التى أستفادت من توفر الثروة البشرية الهائلة وقامت بإعدادهم جيدا عن طريق التعليم والتدريب ليكونوا هم وقود ثوراتهم الصناعية والاقتصادية ، والطريف أن الكثير من هذه الدول عانت من الحروب والاحتلال مثلنا .

ما لا نريد أن نواجه به أنفسنا هو أننا لم نستغل هذه الموارد والطاقات والميزات الطبيعية والجغرافية كما يجب ، بل إستخدمناها كشماعة نعلق عليها تخلفنا وتأخرنا عن ركب الأمم المتحضرة .
وهذا كعادتنا دائما بالتنصل من أخطائنا وإلقاء سبب تخلفنا على أشياء أخرى مثل الإحتلال أو الغزو الثقافى ، أو على المؤامرات الغربية ضدنا ، كأن العالم كله ليس لديه شاغل سوى محاربتنا لمنع تقدمنا المهول والمرعب الذى يمثل خطر عليهم ، لو أراد الغرب أن يتآمر لوقف تقدم أحد لإتجهوا لدول النمور الاقتصادية الأسيوية مثلا وليس نحن ، فالنعامة لا تمثل خطر حقيقى على الاسود أوالنمور .


إن الأمر يتطلب منا وقفة صراحة مع الذات لمعرفة أخطائنا وما قصرت فيه أيدينا ، وليس مزيدا من التهرب وإلقاء التهم على الغير ، فنحن الجناة على أنفسنا وليس غيرنا ، وكفى مزيدا من الشماعات لتعليق أخطاء مجتمع بأكمله عليها .


الاثنين، 13 يوليو 2009

الأقباط وجامعة الأزهر


أثير مؤخرا جدل حول حق الأقباط فى الإلتحاق بجامعة الأزهر ، حيث أستهجن الكثيرون هذا الطلب من بعض الأقباط ، وكانت من الردود التى قرأتها أن جامعة الأزهر صرح إسلامى بحت ما شأن الأقباط به ، هم لديهم كليات اللاهوت التى لم يطلب أحد المسلمون الالتحاق بها فماذا يريدون منا ، ولمح البعض إنها ذريعة للأقباط لإثارة المشاكل بدون وجه حق .
ولكن إسمحوا لى أن أوضح وجهة نظر هؤلاء الأقباط فى هذة المسألة .

مبدئيا لا يمكن لأحد أن ينكر دور جامعة الأزهر الهام والتاريخى للعالم الإسلامى مما جعل مصر هى قبلة طالبى العلوم الشرعية والفقهية فى العالمين العربى والإسلامى ، ولكن هل يقتصر دور جامعة الأزهر على العلوم الشرعية والفقهية فقط ؟
الواقع إنها تغذى سوق العمل بمتخصصين فى مجالات أخرى ، حيث أن بها كليات علمية وعملية لا يجوز للطالب القبطى الإلتحاق بها ، هذه الكليات تخرج لسوق العمل أطباء ومهندسين تعترف الدولة بشهادتهم ، والتى للأسف يجمع الكثيرون على تدنى المستوى العلمى ( وليس الفقهى ) لهؤلاء الخريجين مقارنة بزملائهم من باقى جامعات مصر ، وقد يرجع هذا لعدم التركيز التام للمناهج العلمية حيث يفرض على الطالب الأزهرى دراسة المناهج الشرعية بجانب مناهج تخصصه العلمى .
إن قصر الإلتحاق بالكليات العلمية بالأزهر على الطالب المسلم فقط يعتبر إنتقاص لفرصة الطالب القبطى نظير مثيله المسلم ، فقد تعطى الفرصة لطالب وتهدر من طالب أخر قد يكون أفضل فى المستوى العلمى .
إذا كنتم من المؤمنين بالمساواة فى الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين فإسمحوا لكليات اللاهوت القبطية بإنشاء أقسام علمية يقتصر دخولها على الأقباط فقط وتعترف الدولة بشهادتهم ، هذا بالطبع لم ولن يحدث ولم يكن فى يوما من الأيام مطلبا لأحد من الأقباط حيث أن هذه الكليات تقتصر على العلوم اللاهوتية فقط ، فالأقباط يؤمنون تماما بمبدأ عدم إقحام الدين فى مثل هذه الأمور ، وسياقتى لهذا الطرح هنا هى فقط لتوضيح الفكرة .
ومن الملاحظات الأخرى التى يسوقها بعض الأقباط فى هذه المسألة هى أن جامعة الأزهر يتم تمويلها حكوميا ( أى من الضرائب المدفوعة من المسلمين والمسيحيين ) ، فى حين أن كليات اللاهوت تمول ذاتيا من أموال الأقباط فقط .

مما سبق يتضح لنا أن الهدف من هذه المطالب من بعض الأقباط ليس هو إثارة مشاعر المسلمين ، ولكن هو وضع أبجديات التعامل معهم على أساس العدل والمساواة فى المواطنة بينهم وبين شركائهم فى الوطن .

الاثنين، 29 يونيو 2009

منتخب الساجدين ( مصر سابقا )


تابعت مع ملايين المصريين مباريات منتخب مصر فى كأس القارات وسعدت كثيرا بالأداء الطيب أمام البرازيل وبالمفاجأة الكبيرة بالفوز على إيطاليا ، كما حزنت جدا على الأداء المتواضع والهزيمة أمام منتخب أمريكا .

ولكن ما أحزننى أكثر هو اللهجة العنصرية الغريبة التى تكلم بها كثير من المصريين فى الشارع أو فى منتديات الانترنت أثناء البطولة وقبل مباراتنا مع منتخب أمريكا ، حيث صور البعض مبارة كرة قدم على إنها معركة بين المسلمين بقيادة منتخب الساجدين ( الذى فرح لاعبيه بهذا اللقب مفضلين إياه على لقب منتخب مصر ) وبين منتخبات الكفار ( أمريكا وإيطاليا والبرازيل ومن وآلاهم ) ، وإنه فى هذه المباراة سترفع راية الإسلام عالية وأن الله سيعز المسلمين ويكسر شوكة الأمريكان ، حتى خيل لى انها ستكون غزوة منتخب الساجدين ضد منتخب الكفار ، وأن جنودا من الملائكة ستلعب مع فريق الساجدين الذين هم لمرماهم حافظون ، وكم من فرقة صغيرة غلبت فرقة كبيرة بإذن الله .

إنى أتسائل لماذا تتم أسلمة كل شئ فى مصر ، حتى فى مجال الرياضة ، وما هو موقف لاعب قبطى أبدى تفوقه هل يجوز له شرعا الانضمام لمنتخب الساجدين ، وما المطلوب من المواطن القبطى أثناء مشاهدته لمباراة بين منتخب بلاده مع فرقة أجنبية ، هل يشجع فريق المسلمين الساجدين أم الفريق الذى يدين بنفس ديانته ، واذا كان الله يساند الفرق المسلمة فلماذا هم دائما فى مؤخرة الركب الرياضى والحضارى ، هل معنى هذا إنه تخلى عنهم ويساند الان الكفرة ، بالطبع النصر والفوز يذهب لمن بذل جهدا أكبر وأخذ بمقومات النجاح وليس من سجد أكثر ، إنها سنة الله فى الكون إعطاء المجتهد أجره .

إن ما نراه ماهو إلا إمتداد لظاهرة المد السلفى الذى يفصل المجتمع على أساس العقيدة مستغلا طيبة بسطاء الناس وتمسكهم بدينهم وإثارة الوازع الدينى لديهم ، والغريب أن الأمر فى كثير من الأحيان لا يزيد عن كونه مجرد مظاهر خارجية فقط للتدين دون التمثل بجوهر الدين حتى أن منتخب الساجدين لم يكن فوق مستوى الشبهات بسبب فضائح أخلاقية أثيرت حوله .

وهذا نراه واضحا فى أمثلة كثيرة من مجتمعنا فهذا موظف يواظب دائما على الصلاة فى مواعيدها ولا يمنعه هذا من الرشوة ، وهؤلاء شباب يفاخرون بأخلاق مجتمعهم الاسلامى ولا يمنعهم هذا من التحرش الجنسي الجماعى بفتيات بلدهم ، وهؤلاء قوما يفاخرون بانهم خير الأمم ولا يمنعهم هذا من إلحاق الأذى بجيران لهم مختلفين معهم فى العقيدة .

إن هذا الاتجاة العام ( الذى ظاهره تدين وباطنه أشياء أخرى ) يؤدي إلى مزيد من زرع روح التعصب وزيادة الانقسام داخل المجتمع المصرى ، فأرجوكم رفقا بمستقبل مجتمعنا .